لم يعد خفياً على المتبصر أن يدرك الهوة الكبيرة التي تنشأ يوماً بعد يوم في نفوس الأبناء نتيجة الانشغال التام بالأعمال للوالدين خارج الكينونة الأسرية، ولا يمكن أن يتعامى أحد عن الشرخ الكبير الذي يكبر تدريجياً فيلتهم معه كل عوامل الثبات على المبادئ والأخلاق والقيم لدى الأبناء.
إن الانفتاح العالمي اليوم بجميع ألوانه يفتك بالعلاقات الأسرية، ويغري المرأة المسلمة بشعاراته الزائفة بالتهافت على معطيات العصر دون مراعاة للقيم والأخلاق أو الواجبات التربوية تجاه النشء الذي تحتضنه، علماً بأن الطفل كالعجين الليّن في تلقي السلوكيات والأخلاق والتعاليم وصنوف المعرفة,
قال تعالى: {وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78].
لقد بدأت المرأة التخلي عن أمومتها لتقذف بها غير مبالية للمربية والخادمة دون أن تدرك هول المسؤولية التي تخلت عنها، ولم تضع في اعتبارها أن معظم هؤلاء الخدم يمارسن طقوسهن الدينية أو عاداتهن السيئة أمام الأبناء مما يزعزع الثقة الدينية لديهم ويخلخل قيمهم الأخلاقية. كما أنها لم تمعن في أسس النجاح الأسري والتربوي الذي قوضت بنيانه بهذه التصرفات.
وكان من ثمرات هذه الظاهرة: البعد العاطفي بين الأبناء ووالديهم، مما شكّل بدوره تياراً من التمرد الأخلاقي ضد التوجيهات والنصح، كما ساعد على تلقف أصدقاء السوء لهم والنهل من السلوكيات الهابطة؛ لأنها في نظرهم هي معقل الأمن الروحي والإشباع النفسي.
ولا شك في أن الجهل بأبجديات التربية بأطيافها المتعددة، النفسية والدينية والاجتماعية والثقافية، ساعد على ظهور جيل ضائع لا يعي خطر العولمة الفكرية والسعي لفرض النموذج الغربي في سياساتنا الاجتماعية والأطر الأسرية.
وقد أثبتت التجربة أن الانشغال العاطفي عن الأبناء والجهل بأبجديات التربية وأسس التلاحم الأسري ساعد على ظهور العنف ضد الأطفال، والتعامي عن القيم التربوية، ونبذ المعطيات الدينية مما أدى إلى الوقوع في إعصار الضياع الرهيب دون الفكاك منه.
ومن هنا لابد للأم أن تحافظ على الأبناء خلال الفترات العمرية المتنوعة، واحتواء مشكلاتهم، والسعي إلى إيجاد جو من التكاتف والتضامن الأسري. كما أن متابعة سلوكياتهم والتنبه لكل ما يطرأ عليها منذ البداية يخفف من الأخطار المحدقة بهم ومعالجة الانحراف قبل التوغل في نفوسهم.
وسوف تدرك الأم أن تطبيق أبجديات التربية السليمة على النشء منذ البداية يقلل من خطر الغربة النفسية لديهم، ويبني جيلاً واعياً واثقاً ينهض بالأمة، ويقودها إلى مراقي التقدم والعزة.