منذ قديم الزمان ..
و الورود تضفي على الحياة لوناً من البهجة و الجمال .. إنها تحيل عبوس الحياة الى ابتسام .. و كآبتها الى حبور .. و خريفها الى ربيع دائم ..
إنها ذات مفعول سحري .. تراها تخلق من التشاؤم تفاؤلاً .. و من التجهم غبطة تنتزع اليأس من الصدور لتزرع مكانه الأمل و الفرح و حب الحياة ..
و لكم أنطق الورد الشعراء ..
و لكم افتتن العشاق به ..
و تسابق التجار عليه ..
و أكثر دول العالم عناية بالورود .. هولندا و فرنسا ..
تقول احدى المجلات الأوربية .. : .. إن الورد لم يكن معروفاً في أوربا خلال العصور البعيدة .. اللهم الا اذا استثنينا بعض الأزهار و الورود البرية ..
و جاء الصليبيون خلال القرون الوسطى لينقلوا معهم من الشرق .. و من دمشق بالذات - كما تقول المجلة الفرنسية - الزنبق و السوسن .. و غيرهما من الأزهار ..
نقلوها الى الغرب فزرعت في فرنسا .. و سهر عليها عمال الحدائق و البساتين برعايتهم و اهتمامهم .. الى أن كبرت و أورقت و تضاعف عددها .. و صارت تهدى الى الملوك و العظماء .. و سمي السوسن بوردة دمشق ..
و اليوم تنقل الورود الثمينة من هولندا و فرنسا بالطائرات .. لتباع بأغلى الأسعار .. في كثير من عواصم و مدن العالم ..
و للورد في دمشق قصص .. نأخذ منها ..
إنهم يستخرجون من وردة دمشق العطر و ماء الورد ( و منه شراب الورد .. تفضلوا
) .. و أول من اكتشف أهمية هذه الوردة في التقطير و التعطير .. العالم العربي الكبير ابن سينا .. في مطلع القرن الحادي عشر ..
غير أن وردة دمشق عرفت قبل هذا التاريخ و قبل ابن سينا نفسه .. و يزعم كاتب فرنسي أن سورية أخذت اسمها من وردة دمشق .. و إن شهرة الغوطة في دمشق بزراعتها جعلت سورية تحمل اسم ( سوريستون ) أي أرض الأزهار ..
و لما كانت دمشق أقدم مدينة في التاريخ .. و لما كانت غوطة دمشق أقدم مكان مزروع في التاريخ .. فمعنى ذلك أن آدم و حواء نزلا من جبل قاسيون المطل على دمشق .. و لا شك أن الملائكة غرست أزهارها في الغوطة .. و أن وردة دمشق قادمة من الجنة .. !
و منذ أقدم العصور لم يذكر التاريخ أن فاتحاً أو زائراً دخل الى دمشق دون أن يهتم بوردتها .. و يحمل معه بعض بذورها أو شتولها ..
وردة دمشق كانت موجودة بين أزهار حدائق بابل المعلقة .. كما كانت موجودة بين حدائق الفراعنة .. و كانت من أهم الصادرات الفرعونية الى روسيا يومذاك ..
و عندما استولى العباسيون على الخلافة .. و نقلوا عاصمتهم الى بغداد .. حملوا وردة دمشق معهم ..
و حين ذهب عبد الرحمن الداخل الى الأندلس .. و استتب له الحكم فيها .. أمر بالحصول على غراس من وردة دمشق .. و زرعها في الأندلس فانتقلت الى هناك و انتشرت فيها .. مع الكثير من فواكه دمشق ..
و بلغ اعجاب المتوكل بهذه الوردة أنه خص قصره بها و منع عامة الشعب من زراعتها .. لأنه - كما قال - ( ملك الملوك .. و هذه الملكة الوردة .. و لذلك يستحق كل منا الآخر ) ..
و من الأندلس انتقلت وردة دمشق الى أوربا .. و انتشرت فيها ..
و عندما استرد صلاح الدين الأيوبي اللقدس من الصليبيين .. جلب خمسمائة جمل .. محملة بماء الورد .. و المستخرج من وردة دمشق .. لتطهير القدس من رجس الغزاة ..
و بين القادة الذين جاؤوا مع الحملات الصليبية .. كونت تيبو الرابع .. من مدينة بروفنس الفرنسية .. و كان مولعاً بالورود و من أجل هذا توجه الى الغوطة .. و بحث عن وردة دمشق فحمل منها و من بذورها و عاد الى فرنسا ليزرعها هناك ..
اختفى الاهتمام بالوردة الدمشقية الفاتنة حيناً .. و لكن رائحتها الزكية أخذت تفوح في أوربا .. و استطاعت وردة دمشق أن تجتاز بحر المانش لتدخل الى القصر الملكي البريطاني .. و وقفت الاسرة المالكة البريطانية مشدوهة أمام هذه الوردة المعجزة .. و دعت الى اجتماع ملكي .. اتخذ فيه القرار باعتبار هذه الوردة من الشعارات الأساسية للعائلة المالكة ..
و اهتم العلماء الأوربيون بوردة دمشق .. و حللوها و قطروها و لكنهم لم يستطيعوا أن يتفقوا على اسم لها أو يجدوه بالأصل .. فقالوا : ( تبقى وردة دمشق ) .. و دخل اسمها القواميس و المعاجم و المختبرات على أنها ( روزا داماسينا ) ..
و دار دولاب الزمن ..
أعلن الجنرال ديغول .. بعد حرب 67 وقوفه الى جانب العرب .. و قرر وزير التربية الفرنسي .. أن يرد الأمانة الى دمشق .. فأرسل اصيصاً زرعت فيه وردة دمشق .. ليتم زرعها أخيرا في مدخل المتحف الوطني ..
و بعد ..
فإن حديث الورد ..شيق و ممتع .. لأنه حديث يتصل بالذوق الرفيع و الجمال الأصيل .. و يكاد يكون من أول وسائل الوحي و الالهام .. الى أرباب الفكر و القلم و الفن ..
و حرصا مني على أن تدخل الورود الىهنا .. فقد جمعت لكم هذه القصص عن وردة دمشق .. لنجعل منها هوية المنتدى و رسول محبة للجميع .. من الأصدقاء و الأحباب ..
و تحياتي للكل .. مع أكوام من الفل ...